9  نيسان 2024
كتب الناشط وطالب الطب المتطوع في مشفى الشفاء عز اللولو:
"كيف حالك يا بابا"
‏‎ كانت هذه الرسالة بتاريخ ١٢ نوفمبر ٢٠٢٣ ولم أكن أعلم أنها ستكون الرسالة الأخيرة من والدي وبعدها بليلة استشهد هو و ٢٠ فرداً من عائلتي 
وَصَلَ لي اشعار الرسالة الاخيرة من والدي "كيف حالك يا بابا"  بعد شهر من استشهاده بعدما فَتحتُ الانترنت لأول مرة بعد حصاري في مستشفى الشفاء، ووَصَلَتْ لي اشعار هذه الرسالة منه ويا ليتها لم تصِل، مزّقت قلبي، تمنيتُ لو كان متوفر الانترنت في وقتها و أرد عليه واخبره بأن لا تتركني وحدي وتذهب يا بابا، تمنيتُ أن أسمع صوته في مكالمة قبل انقطاع الانترنت عن المستشفى، تمنيت وقتها ان ارد عليه و تَصِل له الرسالة ويمتلىء الصحيْن بالازرق بجانب الرسالة ويشاهدها.
لكن كنت أعلم انه تحت الأنقاض الآن وروحه في السماء..
اليوم هو الأخير في رمضان و ما استطعتُ فعله فقط هو أن أواصلَ الدعاءَ بأسماءهم في سجودي اسماً اسماً
وغدا أول أيام العيد كما يقولون لكن كيف ستمر ليلة العيد دون العائلة؟
‏‎كنتُ سابقاً قد اعتدت قبل أن أغطَّ في نومي أن أنفد جولةً سريعةً على محطات يومي ماذا أنجزت وماذا لم وهل قصَّرت في حق أحد ... إلخ وتستمرُ لبرهةٍ ليست بطويلة، ولكنني أصبحتُ الآن في كلِّ ليلة أبقى ممداً على فراشي مغطياً رأسي لساعاتٍ ولا يأتي النوم، ترن الساعة مرة ومرتين وثلاثة ومن حولك نيام، ويعتقدون بأنك قد نمت وأنت تحاول إخفاء دموعك الصامتة التي تتساقط تلقائياً، تحاولُ استيعاب صدمة هذا الكم من  الأحباب الذين فقدتهم، تسرح في كل شخص وتتذكر ذكرياتكم الجميلة وكذا كل المحطات التي تشاركتم بها الألم والأمل النجاح والتعثر الفرح والحزن، تلك الليالي التي قضيناها ونحن نفضفض لبعضنا، وتبقى تواسي نفسك هل يعقل أننا لن نتقابل مرةً أخرى؟
‏‎وازداد الأمرُ صعوبةً عندما أصبحت تقابل من فقدتهم في الطريق تكونُ مرهقاً فتصيبك صعقة وأنت تنظر إليه، تكاد أن تنادي عليه وفي بعض الأحيان تنادي فتتدارك نفسك أن من تنادي عليه لم يعد موجوداً وأن الشخص الذي يقابلك يشبهه أو حتى أنك أصبحت ترى وجوه من فقدت في وجوه الناس، حتى أنك وأنت تتبادل أطراف الحديث تقول سأفعل كذا مع فلان فينظر لك من بجانبك باستغراب فتتذكر أنه لم يعد موجوداً..
‏‎تسرح في نفسك فتقول لماذا اصطفاهم الله وأنا ما زلتُ حياً حتى الآن وها نحن في الشهر السادس من الحرب، ثم تواسي نفسك فتقول لعل الله قد كتب لك أن تلحقهم بعد أن يستعملك بشئٍ ما أو أن تكمل ما أرادوا أن يصلوا إليه..